CFS 2001 INF/6
يناير/كانون الثانى 2001


لجنة الأمن الغذائي العالمي

الدورة السابعة والعشرون

روما، 28/5 - 1/6/2001

دعم الإرادة السياسية لمكافحة الجوع

  • أولا - المقدمة
  • ثانيا - التزامات مؤتمر القمة العالمى للأغذية
  • ثالثا - البيئة السياسية العالمية
  • رابعا - أنشطة المنظمة لتقوية الإرادة السياسية، ودلائل التقدم المحرز
  • خامسا - نحو تحويل الالتزامات إلى عمل ملموس
  • أولا - المقدمة


    1 - تقدم هذه الوثيقة استعراضا عاما شاملا لقضية الإرادة السياسية وتأثيرها فى الوفاء بالالتزامات التى تمخض عنها مؤتمر القمة العالمى للأغذية المنعقد فى نوفمبر/تشرين الأول 1996. وستقوم لجنة الأمن الغذائى العالمى فى دورتها السابعة والعشرين بدراسة هذه الوثيقة، وستعرض الوثيقة فيما بعد على مؤتمر منظمة الأغذية والزراعة فى دورته الحادية والثلاثين فى نوفمبر/تشرين الثانى 2001، وهو المؤتمر الذى من المتوقع أن ينظر خلاله رؤساء الدول والحكومات فيما تم إحرازه من تقدم منذ مؤتمر القمة العالمى للأغذية، وإعادة تأكيد ما قطعوه على أنفسهم من التزامات.

    2 - وتبدأ الوثيقة باستذكار الالتزامات الرئيسية للحكومات أثناء مؤتمر القمة العالمى للأغذية. وبعد ذلك تقدم عرضا عاما سريعا للتغيرات التى طرأت على البيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الدولية فى الفترة الممتدة من 1996 حتى الآن، ثم تتناول كيف أثرت هذه التغييرات فى قدرة واستعداد الحكومات والمجتمع الدولى لاتخاذ تدابير فعالة لتنفيذ التزامات مؤتمر القمة العالمى للأغذية. ويقدم الفصل الذى يلى معلومات عن الأنشطة الرئيسية التى اضطلعت بها المنظمة لتعزيز وعى كافة الأطراف المعنية لمكافحة نقص التغذية، وتقييم مدى تعمق الالتزام السياسى للتصدى لآفة الجوع بكل حزم وعزم على الصعيدين الدولى والوطنى. وأخيرا تقدم الوثيقة عرضاً موجزاً لبعض المجالات التى حدث فيها توافق جديد فى الآراء وفقا لإعلان روما وخطة العمل، والتى قد تشكل بؤرة تتمحور حولها عملية تأكيد الالتزامات وبناء شراكات قوية.

    ثانيا - التزامات مؤتمر القمة العالمى للأغذية

    3 - يعتبر مؤتمر القمة العالمى للأغذية المنعقد فى روما فى نوفمبر/تشرين الثانى 1996، المؤتمر الدولى الثالث الذى يتناول قضايا الأغذية والتغذية منذ 1970، فلقد سبقه المؤتمر العالمى للأغذية فى 1974 والمؤتمر الدولى للتغذية الذى نظمته المنظمة فى 1992. وقد استرعى مؤتمر القمة العالمى للأغذية الاهتمام نظراً لما تميز به من تمثيل حكومى رفيع المستوى، إذ لوحظ أن 112 دولة من الـ 186 المشتركة فى المؤتمر، كان تمثيلها على مستوى رؤساء الدول أو الحكومات أو نوابهم، وهو ما يعتبر أمرا ملائما لاجتماع يستهدف التوصل إلى الالتزام السياسى المطلوب لتناول الأسباب الدفينية المتشعبة لتفشى الجوع وسوء التغذية، وهى مشكلة يتطلب حلها إشراك وزارات قطاعية عديدة. وهناك سمة أخرى تميز بها مؤتمر القمة العالمى للأغذية تتمثل فى تحديد هدف مرتبط بإطار زمنى ويمكن رصده ومتابعته، إلا أنه تحلى أيضا بقدر كاف من الواقعية مما حدا به إلى الاعتراف بأن استئصال الفقر فى العالم لن يكون ممكنا فى الأجل المتوسط.

    4 - واختتم مؤتمر القمة أعماله بإصدار وثيقتين رئيسيتين: إعلان روما بشأن الأمن الغذائى العالمى وخطة عمل مؤتمر القمة العالمى للأغذية(1). والإعلان يتكون أساسا من بيان متفق عليه يتضمن الأهداف والسياسات، تليه الالتزامات الرئيسية السبعة التى أقرها المجتمعون، بينما احتوت خطة العمل تفاصيل الأنشطة التى اتفقت البلدان على اتخاذها لترجمة الالتزامات إلى واقع ملموس.

    5 - وتعبر الفقرتان الأوليتان للإعلان بصورة وجيزة وبليغة عن توافق الآراء بشأن السياسات والأهداف المحددة التى تم التوصل إليها فى مؤتمر القمة:

    "نحن رؤساء الدول أو الحكومات أو من يمثلوننا، المجتمعين فى مؤتمر القمة العالمى للأغذية المنعقد بدعوة من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، نؤكد من جديد حق كل إنسان فى الحصول على أغذية سليمة ومغذية بما يتفق مع الحق فى الغذاء الكافى والحق الأساسى لكل إنسان فى التحرر من الجوع.
    لقد وطدنا إرادتنا السياسية والتزامنا الجماعى والوطنى على تحقيق الأمن الغذائى للجميع وبذل جهد متواصل من أجل استئصال الجوع فى جميع البلدان، جاعلين هدفنا المباشر هو خفض عدد من يعانون من نقص التغذية إلى نصف مستواه الحالى فى موعد لا يتجاوز عام 2015"

    6 - وإن من السمات الهامة المميزة لهذا الإعلان اعترافه بحق الإنسان فى الحصول على غذاء كاف وبالحاجة الضمنية لاضطلاع البلدان كافة بجهود متضافرة من أجل استئصال الجوع.

    7 - وفيما يلي بيان الالتزامات السبعة التى أسفر عنها مؤتمر القمة العالمى للأغذية:

    8 - وهذه الالتزامات توفر بدورها إطارا يضم 27 هدفا محددا و 182 نشاطا مقترحا، تنفذ البلدان الكثير منها من خلال التعاون فيما بينها أو بالاشتراك مع المجتمع الدولى أو عن طريق الشراكة مع المجتمع المدنى.

    9 - ولم تقدم خلال مؤتمر القمة اقتراحات بإنشاء مؤسسات جديدة أو تعهدات بموارد إضافية. وكان هناك اعتراف ضمنى فى مختلف مراحل العملية التحضيرية بأن العالم قادر على توفير غذاء كاف لسكانه الآن وفى المستقبل، وأن معظم الترتيبات المؤسسية الدولية اللازمة لذلك قائمة، وأن بالإمكان توفير الموارد المالية اللازمة من المصادر الحالية. وكان الشاغل الرئيسى فى حقيقة الأمر هو كيف يمكن توليد الإرادة السياسية ودعمها من أجل ترجمة هذه الالتزامات إلى الأنشطة المطلوبة.

    10 - وكان مؤتمر القمة العالمى للأغذية، شأنه شأن سائر مؤتمرات القمة، يقوم على افتراض مفاده أن تيسير التقاء الزعماء الوطنيين فى محفل عام يلتزمون فيه التزاما جماعيا بمواجهة قضايا كبرى ذات أبعاد عالمية عن طريق بذل جهود متضافرة، سيساعد على دعم تصميمهم على إحداث تغييرات وسيرفع من إحساسهم بالمسؤولية تجاه المجتمع الدولى، ويؤدى ذلك أيضا إلى تقوية أنشطة الشراكة بين الحكومات ومع المجتمع الدولى والمجتمع المدنى، مما يعتبر شرطا أساسيا لتحقيق الأهداف المنشودة. ومع ذلك فإن قدرة القادة الوطنيين على استحثاث العمليات المعقدة المطلوبة لتحقيق تخفيضات سريعة فى معدلات الفقر، إنما تتوقف إلى حد كبير على مكانتهم فى أقطارهم، وعلى نظم الحكم التى يرأسونها، وعلى مدى توفر المقومات اللازمة لحلول قابلة للتحقيق، وعلى مدى اقتناع المسؤولين عن اتخاذ التدابير المطلوبة بجدوى العمل المتوقع منهم أداؤه.وهكذا كان لابد أن تنشأ أوضاع يكون فيها القادة ملتزمون التزاما حقيقيا إلا أن الأعمال التى نفذت فيما بعد كانت غير فعالة لأسباب خارجة عن إرادتهم. ومن ثم فإن الوثيقة فى تقييمها لمدى نجاح مؤتمر القمة العالمى للأغذية فى توليد ودعم الإرادة السياسية، لن تتساءل عما إذا كانت البيانات التى أدلى بها فى القمة وفى الاجتماعات الدولية اللاحقة تعبيرا عن إرادة سياسية حقيقية من جانب كافة المشاركين أو مجرد نتيجة لعملية يصعب فيها الاعتراف بالاختلاف صراحة وعلى الملأ إذ أنه ليس من اليسير على سبيل المثال، أن يعلن قائد وطنى أنه غير ملتزم بتخفيض معدلات الجوع. والقضية الهامة تتمثل فى مدى عمق هذا الالتزام، وما إذا كانت تتوافر فعلا القدرات المالية والمؤسسية والوسائل الفنية للوفاء بالالتزامات، أو ما إذا كان يمكن توفيرها جميعا، داخل كل قطر وفى المؤسسات الشريكة، بما فيها منظمة الأغذية والزراعة الذى نص صراحة على التعاون معها.

    ثالثا - البيئة السياسية العالمية

    11 - إن من بين إنجازات القرن الماضى العظمى إنتاج الأغذية الكافية ليس فقط لتلبية احتياجات سكان العالم الذين تضاعفوا من ثلاثة مليارات فى 1960 إلى أكثر من ستة مليارات فى 2000، بل ولتأمين مستوى تغذوى أفضل أيضا، إذ ارتفع المتوسط اليومى للمتحصل الغذائى من 250 2 سعرا حراريا إلى 800 2 سعر حرارى للشخص الواحد فى نفس الفترة ذاتها. وبالإضافة إلى رفع الإنتاج، أدت الثورة الزراعية فى القرن العشرين إلى زيادات هائلة فى إنتاجية الأيدى العاملة وإنتاجية الأراضى وهو الأمر الذى تجلى فى الهبوط التدريجى للأسعار الدولية الحقيقية للحبوب(2).

    12 - ومع ذلك فإذا ألقى مؤرخو المستقبل نظرة على القرن الماضى، فمن المرجح أن يشيروا إلى مفارقة صارخة وهى استمرار الجوع على نطاق واسع فى حين كان الحجم الإجمالى لإمدادات الأغذية العالمية يزيد عن الحاجة. وإن تزامن الحرمان من الأغذية على نطاق كبير من ناحية، مع وجود إمدادات غذائية وفيرة من ناحية أخرى فى عالم يتمتع بوسائل ممتازة للاتصالات والنقل، إنما يدل على وجود قصور أساسى فى سبل إدارة الأمم لشؤونها وفى الأساليب التى تحكم وتنظم العلاقات بين هذه الأمم. وقد وصف إعلان روما هذا الوضع بأنه غير مقبول، ومع ذلك يواصل العالم التعايش معه. ويتناول هذا الفصل ما للتطورات الأخيرة فى العلاقات السياسية العالمية والفكر السياسى العالمى وما صاحبها من تغيرات مؤسسية، من تأثير فى حدوث الجوع وفى قدرة الحكومات على استئصاله واستعدادها للإقدام على ذلك.

    13 - وعندما سقط حائط برلين فى 1990، غمرت العالم موجة من التفاؤل. وتوقع كثير من المراقبين أن تؤدى سياسات اقتصاد السوق المقترنة بالديمقراطية إلى إحداث نمو سريع فى أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتى السابق، وأن يفضى انتهاء المواجهة بين الدول الكبرى إلى توقف الحروب التى تشارك فيها هذه الدول بطريق غير مباشر، مما سيؤدى إلى انخفاض حاد فى الإنفاق على التسلح، وسيساعد ذلك بدوره على توفير موارد يمكن توجيهها إلى البلدان الأشد فقرا للتعجيل بالتنمية فيها. وبعد مرور عشر سنوات، لم يتحقق سوى عدد ضئيل من هذه الآمال. وعرقلت المشكلات الهيكلية الأساسية عملية الانتقال والنمو فى معظم الاقتصادات القائمة على التخطيط المركزى. وساعدت مظاهر التعبير المتزايد العنف عن المشاعر القومية والعرقية المقترنة بانتعاش سوق السلاح، على تأجيج الصراعات والإطاحة بالآمال فى التنمية مما دفع بملايين البشر إلى الهروب من أوطانهم ومعاناة الفقر. ولم تسهم ثمار التنمية فى زيادة تدفقات موارد المساعدات إلى البلدان الأشد فقرا (وقد انخفضت هذه الموارد على نحو مطرد طوال العقد) على الرغم من الازدهار غير المسبوق الذى شهدته البلدان المتقدمة: والواقع أن نهاية التبعية للقوى العظمى أدى إلى تراجع المعونة إلى مستوى تحدده دواعي إيثار الغير أكثر منه الاعتبارات الجغرافية السياسية.

    14 - ومع ذلك كان هناك اعتراف متزايد بمدى الاعتماد المتبادل على الصعيد العالمى، وتبذل المحاولات الآن لتوظيف هذه الظاهرة لمصلحة الجميع. وفى أعقاب إنشاء منظمة التجارة العالمية فى 1995، بدأت الحواجز التجارية تتهاوى، وهناك توقعات كبيرة بأن تؤدى التجارة الأكثر حرية إلى توسيع الأسواق والتقليل من تكاليف الصفقات والمعاملات التجارية مما سيعود بالنفع على البلدان النامية. وحدثت زيادة هائلة فى الاستثمار الأجنبى المباشر من جانب القطاع الخاص، إذ أصبح هذا الاستثمار يشكل الآن 82 فى المائة من صافى التدفقات المالية إلى البلدان النامية، بالمقارنة بنسبة قدرها 44 فى المائة فى 1990(3). وأحرز كذلك تقدم سريع فى الاتصالات العالمية وتكنولوجيا المعلومات مما ساعد على تسريع انتشار المعرفة وإتاحة فرص مثيرة لمواطنى البلدان النامية لكى يحققوا قفزات فائقة السرعة فى اكتساب المعارف. وأسهم مؤتمر الأمم المتحدة المعنى بالبيئة والتنمية المنعقد فى 1992، فى خلق وعى جديد بالأخطار التى تكتنف البيئة العالمية من جراء النشاط البشرى، مما أدى إلى اتخاذ خطوات فعالة نحو استحداث هيئات تنظيمية وآليات للتمويل فى هذا المضمار.

    15 - وعلى الرغم من أن عولمة التجارة والعلاقات الاقتصادية والاتصالات والإدارة البيئية تتيح لسكان البلدان النامية فرص الانتفاع بفوائد جمة، إلا أنها تعتبر سلاحا ذا حدين. وهكذا فإنه إذا عملت البلدان المتقدمة على إبقاء الحواجز التجارية أو تقديم الدعم لمزارعيها فإن ذلك سيؤدى إلى تضاؤل احتمالات توسيع الأسواق أمام البلدان النامية. وإن بيع السلع الغذائية بأسعار تقل عن تكاليف الإنتاج قد يعود بالنفع على المستهلكين ذوى الدخل المنخفض، إلا أنه قد يقوض حوافز الإنتاج، مما يلحق أضرارا دائمة بزراعة المحاصيل الغذائية فى البلدان النامية ويسهم فى إفقار المناطق الريفية. وبالمثل فإن الزيادة السريعة فى تقديم رأس المال الخاص المقترنة بانحسار دور القطاع العام، قد يكون من العوامل التى ساعدت على تقليل المساعدة الإنمائية الرسمية التى انخفضت فى التسعينات من 0.33 فى المائة إلى 0.25 فى المائة من الناتج الوطنى الإجمالى لبلدان منظمة التعاون والتنمية فى الميدان الاقتصادى،الأمر الذى ألحق الضرر بمعظم البلدان النامية وخاصة أقل البلدان نموا فى أفريقيا التى لا تكاد تتلقى تدفقات مالية من القطاع الخاص.

    16 - وكان "لتوافق واشنطن" المرتكز على تطبيق سياسات اقتصادية كلية من شأنها تحرير التجارة، تأثير كبير فى خلال العقد الأخير من القرن الماضى سواء فيما يتعلق بإدراك حكومات البلدان المتقدمة لدورها أو بالمشورة التى قدمتها مؤسسات بريتون وودز إلى حكومات البلدان النامية بشأن السياسات الاقتصادية. وبدأت الدول فى مختلف أنحاء العالم الانسحاب من أنشطة كان يرجى أن يضطلع بها القطاع الخاص على نحو أفضل، مركزة على دورها فى توفير السلع العامة. وهكذا بدأت عملية إلغاء القيود والقواعد المنظمة للأسواق المحلية وتحرير نظم التجارة والاستثمار، وتراجعت الخدمات المدنية وتزايدت الصرامة المالية. ولا يزال الجدل مستمرا بشأن تأثير برامج التعديل الهيكلى هذه. ولكن فى حين يلاحظ أن بعض الأقطار قد استفادت منها بصورة واضحة، لم يشهد البعض الآخر استجابة قوية من حيث النمو الاقتصادى، وشهد تزايدا فى الهوة الفاصلة بين الأغنياء والفقراء، وعجزا فى قدرة الخدمة المدنية على توفير السلع الهامة الأساسية، فضلا عن تقاعس القطاع الخاص عن الاستجابة للفرص الجديدة. ومن المحتمل أيضا أن تكون عملية الهجرة الحضرية - الريفية المتزامنة، بغض النظر عن تأثيرها الديموغرافى الهام، قد أسهمت فى النيل من الثقل السياسى للشؤون الريفية، ما ساعد على نزوع إلى التحيز لصالح المناطق الحضرية فى صنع القرار.

    17 - وأحرزت مؤتمرات القمة التى عقدت فى حقبة التسعينات بما فيها مؤتمر القمة العالمى للأغذية، نجاحا فى تحقيق ما كانت تستهدفه من زيادة الوعى العام بالمشكلات العالمية الكبرى، ووضع خطط لمواجهتها والتوصل إلى التزامات رفيعة المستوى بشأن أنشطة متضافرة تضطلع بها البلدان والوكالات الدولية. وهكذا ازدادت التوقعات بشأن تنفيذ أنشطة على نطاق لم يسبق له مثيل لعلاج أهم المشكلات التى تواجه البشرية. إلا أن هذا جاء فى وقت تضاءلت فيه إلى حد بعيد قدرة منظومة الأمم المتحدة على الاستجابة لهذه التوقعات جميعا من جراء قيود الميزانية التى فرضتها الحكومات المعنية بالتوجهات الإصلاحية، والتى اعتمد كثير منها سياسات انطوائية لم تول قضايا التنمية اهتماما كبيرا. وثمة نتيجة أخرى لمؤتمرات القمة وهى أنها أدت إلى اكتظاظ جدول أعمال التنمية وإلى تحول اهتمام الحكومات من موضوع رئيسى إلى آخر بسرعة مذهلة، وأسفر ذلك عن تعقيد عملية وضع الأولويات عن تشتيت الجهود. وأدى العجز عن تحقيق تقدم ملموس فى كثير من الموضوعات القطاعية، فضلا عن الشكوك المتزايدة إزاء فعالية برامج المساعدة المتعددة الأطراف، إلى إلحاق مزيد من الأضرار بمصداقية الوكالات الراعية.

    18 - وهكذا نشأ وضع فى أثناء السنوات التالية مباشرة لمؤتمر القمة العالمى للأغذية، تصارعت فيه بلدان نامية كثيرة مع المشكلات الناجمة عن التكيف الهيكلى والقيود المفروضة على الموارد المالية، وواجهت قائمة متزايدة من الالتزامات الدولية كانت قد تعهدت بتنفيذها. وتورطت بلدان كثيرة من أشد الدول فقرا فى صراعات أطاحت بمواردها وطاقاتها، فى حين عانت بلدان أخرى من كوارث طبيعية كاسحة، واستيقظ بعضها فى منتصف التسعينات أمام هول التأثير الاجتماعى والاقتصادى لكارثة الإيدز، بينما كافحت بلدان أخرى للحفاظ على الديمقراطيات الوليدة فى وجه السخط العام الذى أثارته تدابير التقشف. ولذا فليس من المدهش حقا أن تعمد معظم البلدان النامية تمشيا مع مقتضيات الحكمة التقليدية والحذر المألوف إلى اتخاذ قرارات بشأن تخصيص الموارد ترمى إلى الحد من عجز الميزانية وتعظيم معدلات النمو الاقتصادى على افتراض أن يؤدى ذلك فى نهاية المطاف إلى تخفيف وطأة الفقر حتى فى غيبة التدابير الخاصة بإعادة توزيع الأصول والدخول. وكانت النتيجة أن أقطارا قليلة فقط، على الرغم من تعهدات البلدان أثناء مؤتمر القمة، هى التى أقدمت على تنفيذ برامج هادفة واسعة النطاق لتحسين الأمن الغذائى. كما أنها لم تلق تشجيعا كبيرا على القيام بذلك من جانب شركائها فى التنمية الذين واصلوا، على الرغم من التشكك فى فرضيات "الأثر الانتشارى"، التأكيد على سياسات واستثمارات داعمة للنمو الاقتصادى باعتباره الهدف الرئيسى للتنمية فى استراتيجياتهم الخاصة بالمساعدات(4)، وتطبيق تقنيات التحليل الاقتصادى المألوفة التى لم تعر كبير اهتمام لشواغل التوزيع فى القرارات المتعلقة بالاستثمار.

    19 - وإن إيلاء أهمية قصوى للنمو الاقتصادى والكفاءة والتجارة غير المشوهة، بالإضافة إلى ما يمارسه المواطنون فى البلدان المتقدمة من ضغوط لزيادة الاستهلاك، أمر يتعارض بصورة متزايدة مع مقتضيات العدالة الاجتماعية ومصالح الفقراء فى سائر أنحاء العالم. وحدث تراجع آخر فى التزام المانحين بالإسهام فى معالجة القضايا الإنسانية والإنمائية نتيجة لخيبة الأمل إزاء فعالية المساعدات والشواغل بشأن الفساد وانحسار الأساس المنطقى للمساعدات من الوجهة الجغرافية السياسية، والحاجة فى بعض الحالات إلى تطبيق سياسات تقشفية على الصعيد المحلى.

    20 - ومع ذلك فقد أدى الغضب العام المتزايد إزاء عدم الاكتراث البادى لقضايا الظلم العالمى وتبديد الموارد الطبيعية إلى ما يمكن اعتباره أهم تطور سياسى فى السنوات القليلة الأخيرة من القرن العشرين، ألا وهو ظهور حركات المناصرة عبر الوطنية التى يقودها المجتمع المدنى، وتضم تآلفات من جماعات المصالح المستاءة من الطريقة التى يدار بها العالم، والتى أظهرت قدرة فائقة على التأثير فى مجريات الشؤون العالمية. وعلى الرغم من أن هذه الحركات تزدهر فى المجتمعات الديمقراطية، إلا أنها تتخطى الآليات المؤسسية العادية، إذ تستمد قدرا كبيرا من نفوذها من الاستغلال الناجح لوسائل الاتصال الجماهيرى وتكنولوجيا المعلومات من أجل بناء جماعات عالمية واضحة المعالم لتأييد القضايا التى تناصرها حركات المجتمع المدنى هذه. (انظر الإطار). وتبنى آخرون مواقف أقل علانية وإن تميّز عملهم بذات الفعالية، من خلال شبكات من الدعاة على مستوى القاعدة الجماهيرية، الذين يؤثرون على عمليات صنع القرار على الصعيدين القطري والدولي من طريق الكتابة إلى ممثليهم السياسيين وضغوط التأثير الهادئ عليهم. وقد أظهرت هذه الحركات سواء كانت تعنى بحقوق الإنسان أو البيئة أو التجارة أو الديون أو سلامة الغذاء، أنه توجد أعداد كبيرة من الناس عبر أنحاء العالم تؤمن إيمانا قويا بضرورة بزوغ مجتمع عالمى يدار على أسس أكثر عدلا واستدامة. وأعربت هذه الحركات عن استعدادها لاستخدام كافة الوسائل والتدابير الممكنة لكى يصل صوتها إلى أصحاب السلطة والجمهور العام أيضا.

    قوة المجتمع المدنى فى مناصرة القضايا

    إن نطاق وسرعة تخفيض ديون البلدان الفقيرة المثقلة بالديون فى وقت كان فيه الموقف الرسمى لمعظم حكومات البلدان المتقدمة ينزع نحو تخفيض المعونة، إنما يعزى أساسا إلى فعالية حملة المناصرة التى تولت قيادتها وتنسيقها حركة تسمى "تآلف يوبيل 2000" ويرجع نجاح الحملة إلى أسباب عديدة منها:

    • تحديد أهداف واضحة بلغة بسيطة، يجرى ترديدها دون كلل وتخضع لإطار زمنى، وتحديد آجال قصوى للتنفيذ حافلة بالرموز؛
    • مخاطبة إحساس الشعب فى مجموعه بأهمية إقامة العدل بغض النظر عن الدين أو العنصر أو السياسة أو الثروة؛
    • بناء تآلف عريض يضم منظمات المجتمع المدنى (بما فى ذلك المنظمات غير الحكومية والجماعات الدينية، والمنظمات الدينية، والبرلمانيون ) التى تتوافر للكثير منها شبكات واسعة النطاق؛
    • الاستفادة المثلى من وسائل الإعلام ومن المستجدات فى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لاستكمال الوسائل التقليدية (أداء الشعائر الدينية، حفلات الموسيقى المتلفزة، المظاهرات وما إلى ذلك) من أجل تعبئة المساندة الشعبية الملموسة على نطاق واسع وفى مختلف أنحاء العالم؛
    • إجراء بحوث وعمليات رصد عالية المستوى تفضى إلى صوغ رسائل محددة المعالم (مثل "أقل من القليل وبعد فوات الأوان")؛
    • استهداف القادة الرئيسيين فى مختلف ربوع العالم للحصول على تأييدهم من خلال التأكيد على وجود مساندة شعبية؛
    • التركيز على الأحداث الكبرى التى تتخذ القرارات فى إطارها، وخاصة قمة مجموعة الـ 8، ليتسنى الاحتفاظ بقضايا الديون فى جدول الأعمال ولكى يظل القادة مسؤولين عن الالتزامات التى تعهدوا بها إن القضاء على الجوع فى العالم قضية يمكن أن تشكل قوة دافعة وحافزة لحركة دولية فعالة مماثلة يقودها المجتمع المدنى

    21 - إن الإصغاء لهذا الصوت، سواء من خلال التقاء شخصيات مشهورة مع البابا أو السلاسل البشرية أثناء قمة الـ 8 أو أعمال الشغب فى شوارع سيتل أو براغ، أصبح أمرا واضحا لا مراء فيه وذلك بالنظر إلى سرعة ومدى استجابة قادة العالم والأمم المتحدة ومؤسسات بريتون وودز والشركات عبر الوطنية وأهل الخير من بنى البشر. وإن من بين أبرز نجاحات هذه الحركات، ويصدق ذلك بوجه خاص على كثير من بلدان العجز الغذائى ذات الدخل المنخفض، كان تسريع وتعميق إسقاط الديون بموجب مبادرة البلدان المثقلة بالديون (كما جاء فى الإطار الوارد أعلاه). ويربط القرار المتعلق بهذا الموضوع الذى اتخذته قمة الـ 8 فى كولونيا بألمانيا فى 1999، بين الإسراع فى تخفيف الديون واتخاذ البلدان النامية تدابير لمواجهة الفقر، وقد أصبح هذا القرار قوة محركة لجدول أعمال التنمية فى مطلع القرن الحادى والعشرين.

    22 - وهناك دلائل أخرى على أن بعض الشركات عبر الوطنية تلتزم التزاما متناميا بمراعاة الاعتبارات الأخلاقية فيما تضطلع به من أعمال، سواء كان ذلك يتعلق بتشغيل الأطفال أو التعديل الجينى لأنواع النبات والحيوان أو الاتجار بالألماس فى مناطق الصراعات أو الحد من الأضرار البيئية الناجمة عن التعدين أو الصناعة أو التخلص من النفايات السامة. ويتضح ذلك من استجابة الشركات عبر الوطنية على نحو رصين للميثاق العالمى للأمم المتحدة، إذ تعهدت باحترام مبادئ المواطنة السليمة فى عمل الشركات.

    23 - وإن الموجة الجديدة للعمل الخيرى الواسع النطاق الموجه نحو المشكلات التى يعانيها الفقراء فى البلدان النامية لا تعزى إلى ضغوط المجتمع المدنى بقدر ما تعزى على الأرجح إلى إيثار هؤلاء الذين يوزعون قدرا من ثرواتهم الضخمة.

    24 - ومهما كانت دوافع التحرك فى هذا المضمار، فقد بدأت الألفية الجديدة فى ظل توافق قوى فى الآراء على أن الهدف الرئيسى للتنمية لابد أن يكون استئصال الفقر. ومع ذلك فعلى الرغم من أن الجوع هو أقسى مظاهر الفقر، لم تركز استراتيجيات الحد من الفقر بقدر كاف على قضايا الأمن الغذائى، أما القلق بشأن الجوع فيبدو أنه أصبح مقصورا، فى كثير من الحالات، على حالات الطوارئ. ولا توجد دلائل على استعداد كل من البلدان النامية والبلدان المتقدمة لتخصيص الموارد المطلوبة للقضاء على الفقر بمختلف أبعاده. ويتمثل الخطر الأكبر فى مواصلة الجدل حول استراتيجيات تخفيض حدة الفقر، مما يؤجل الاضطلاع حتى بأشد الأنشطة إلحاحا، بينما يحرم ما يقرب من 800 مليون شخص، من بينهم أطفال كثيرون، من فرص الحياة الكريمة. وثمة خطر أيضا فى أن يؤدى نجاح الثورة الزراعية فى القرن العشرين وتوافر إمدادات الأغذية حاليا على الصعيد العالمى إلى تشجيع وتفشى اللامبالاة إزاء ضرورة التوصل إلى حلول عاجلة للجوع المزمن.

    رابعا - أنشطة المنظمة لتقوية الإرادة السياسية، ودلائل التقدم المحرز

    25 - إن الأعمال التى اضطلعت بها المنظمة بُغية تعزيز الالتزام بإحراز أهداف مؤتمر القمة العالمى للأغذية ترتكز على عقيدة مفادها أنه إذا ما توفر التصميم السياسى المطلوب فإن بوسع القدرات التقنية والمؤسسية والمالية المتاحة حاليا أن تقضى على الفقر قضاء مبرما فى غضون فترة وجيزة، شريطة العمل على تحقيق هذا الهدف بوسائل مباشرة وفعالة. وحقيقة الأمر أنه إذا لم تنفذ أنشطة على سبيل الأولوية لمكافحة الجوع الذى يعتبر سببا للفقر ونتيجة له، سيصعب إحراز تقدم كبير نحو القضاء على الفقر بمختلف أبعاده. والمطلوب ليس إجراء المزيد من النقاش أو البحوث الأكاديمية وإنما تصميم متجدد من الحكومات، بمساندة من الهيئات الدولية ومنظمات المجتمع المدنى، لتنفيذ التدابير المباشرة والسديدة التى اعتمدتها إبان مؤتمر القمة العالمى للأغذية منذ ما يقرب من خمس سنوات.

    26 - وقد طرأ تحسن مطرد على استجابة منظومة الأمم المتحدة والمجتمع المدنى والحكومات لحالات الطوارئ المتعلقة بالأغذية سواء كانت من صنع الإنسان أو ناتجة عن عوامل طبيعية، وترتب على ذلك أن قليلا من الناس يموتون جوعا فى أيامنا هذه نتيجة للكوارث المركبة بالمقارنة بما كان يحدث فى بدايات القرن العشرين، وهذا هو ما ينبغى أن يكون بالنظر إلى وجود فوائض غذائية عالمية فضلا عن قوة نظم الاتصال الحديثة(5) (6). وعلى النقيض من ذلك لم يتسن إحراز نجاح ملحوظ فى التعامل مع مشكلات نقص التغذية المزمن، وهى مشكلات واسعة النطاق، وكانت الشاغل الرئيسى لمؤتمر القمة العالمى للأغذية، وإن كانت أقل استرعاء للانتباه على الرغم من أنها يحتمل أن تسبب وفاة عدد أكبر من الناس قبل الأوان، وينبغى أن يكون من الأيسر التغلب عليها من الوجهة اللوجستية بالمقارنة بنقص الأغذية أثناء حالات الطوارئ المعقدة.

    27 - وبالنظر إلى الطبيعة الخادعة للجوع المزمن، شعرت المنظمة أن عليها أن تصر على تذكير أعضائها بالتزاماتهم وأن تسترعى الانتباه إلى عدم إحراز تقدم كاف نحو الأهداف التى حددها مؤتمر القمة. وتشير الإسقاطات القائمة على السياسات الحالية والاتجاهات الحديثة العهد أن هدف خفض عدد من يعانون من نقص التغذية إلى نصف مستواه الحالى فى موعد لا يتجاوز 2015، هو هدف لا يحتمل تحقيقه قبل 2030(7). وبالنظر إلى هذا السبب ونظرا إلى أن "عددا قليلا على أحسن تقدير" من البلدان البالغ عددها 91 بلدا والتسع منظمات دولية التى قدمت تقارير إلى لجنة الأمن الغذائى فى سبتمبر/أيلول 2000(8) يمكن أن يدّعى إحراز تقدم ملموس فى تنفيذ التزامات مؤتمر القمة العالمى للأغذية، فقد تقرر دعوة قادة العالم إلى روما مرة أخرى لتجديد التزاماتهم وترجمة هذه الالتزامات إلى برامج عملية.

    ألف - الأنشطة الرئيسية

    28 - وسعيا من المنظمة لتعزيز الالتزام، فقد انطلق نشاطها من مقرها بمساعدة أجهزتها الرئاسية لوضع إطار استراتيجى للمنظمة للفترة 2000-2015.وقد اعتمد هذا الإطار خطة عمل مؤتمر القمة العالمى للأغذية باعتباره "نقطة مرجعية جديدة"، ستكفل إسهام مخصصات الموارد بالخطة المتوسطة الأجل للسنوات الست القادمة فى دعم قدرة المنظمة على تنفيذ اختصاصاتها طبقا لقرارات مؤتمر القمة العالمى للأغذية(9).

    29 - وقد وجهت المنظمة الكثير من جهودها المتعلقة بتقوية الالتزام السياسى إلى الحكومات وخاصة حكومات بلدان العجز الغذائى ذات الدخل المنخفض. وقد تزايد الإدراك والفهم لنطاق الجوع وأسبابه ومواقعه وتأثيراته نتيجة لتوسيع نظام المعلومات عن انعدام الأمن الغذائى والتعرض لنقص الأغذية ورسم الخرائط ذات الصلة، ليشمل 67 دولة باعتباره نظاما متعدد المؤسسات لرصد الأمن الغذائى، وتكفل المنظمة أعمال أمانته. وإن الحاجة إلى مخصصات كافية من الموارد للتنمية الريفية ولتغيير السياسات بُغية تحسين الحصول على الطعام قد اتضحت بجلاء فى المشاورات بشأن الاستراتيجيات الوطنية المقترحة للزراعة آفاق 2010، وفى سلسلة من المشاورات الإقليمية (أجريت بالاشتراك مع منظمة الصحة العالمية) لدعم الالتزام السياسى لتنفيذ خطط العمل الوطنية للتغذية. وقد ساعد إطلاق البرنامج الخاص للأمن الغذائى فى أكثر من 60 بلدا على جذب الانتباه إلى الفرص العملية المتاحة لتحسين الإنتاجية الزراعية والدخول الريفية عن طريق إحداث تغييرات بسيطة فى نظم الزراعة فى إطار بيئة تستند إلى سياسة قوامها المساندة والتمكين. وساعدت ترتيبات التعاون بين الجنوب والجنوب المؤيدة للبرنامج الخاص للأمن الغذائى على التواجد السياسى لقضايا الأمن الغذائى. وعلاوة على ذلك أحرز بعض التقدم فى توظيف الالتزام الوطنى لشركاء المنظمة فى التنمية والحكومات، فى مكافحة الجوع من خلال توسيع نطاق شبكة لجنة التنسيق الإدارية للتنمية الريفية والأمن الغذائى، ومع ذلك فإن من بين الـ 69 بلدا التى أقيمت فيها الشبكة، قدرت الأمانة التى أنشأتها المنظمة أن عددا يتراوح بين 20 و 25 فريقا موضوعيا هو الذى يضطلع بنشاط حقيقى فعال، مما يدل على أنه لم يتسن حتى الآن استغلال إمكانات الشبكة تماما. ومن المؤكد أن الجهود الحثيثة التى يبذلها المدير العام ومناصرته الدائمة للعمل الجاد للحد من الجوع، فضلا عن زياراته لعدة دول أعضاء ولقاءاته مع كثير من رؤساء الدول منذ مؤتمر القمة، لابد أن تسهم بقسط أكبر فى تعزيز التصميم السياسى على العمل.

    30 - ونفذت أنشطة كثيرة لتعزيز إشراك المجتمع المدنى فى ضمان متابعة كافية لمؤتمر القمة. وأصدرت المنظمة بيانات عن السياسات ترمى إلى وضع الأسس لمزيد من التعاون بين المنظمة وبين المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص. وفى عام 2000 أجريت سلسلة من المشاورات الإقليمية بين المنظمات غير الحكومية ومنظمة المجتمع المدنى أسفرت عن تقديم بيان جامع إلى لجنة الأمن الغذائى تعهدت فيه المنظمات المعنية بتعزيز أنشطتها الداعمة للأمن الغذائى. واضطلعت منظمات المجتمع المدنى بنشاط ملحوظ، وتعاونت مع الموظفين القانونيين بالمنظمة تعاونا وثيقا فى المشاورات المثمرة بشأن الحق فى الغذاء التى عقدها المفوض السامى لحقوق الإنسان بناء على تفويض من مؤتمر القمة العالمى للأغذية (الهدف 7-4 من خطة العمل) بُغية توضيح مضمون الحق فى الغذاء الكافي والحق الأساسى لكل فرد فى أن يكون متحررا من الجوع، ومن أجل إيلاء عناية خاصة للإعمال التدريجى لهذا الحق كوسيلة لتحقيق الأمن الغذائى للجميع (انظر الإطار أدناه). وأدت هذه المشاورات إلى تعليق عام عن الحق فى الغذاء الكافى اعتمدته لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما وأقرت أكثر من 80 منظمة غير حكومية مشروع مدونة سلوك بشأن الحق فى الغذاء، كانت قد صاغته فى أعقاب مؤتمر القمة العالمى للأغذية. وقد أوضح هذا المشروع المضمون المعيارى للحق فى الغذاء، وستنتفع الحكومات بهذا المشروع فى تحديد المسؤولية عن استئصال الجوع. وأسفرت الاتصالات التى أجريت مع القادة الدينيين فى أواخر 2000 عن خطاب بشأن قضية الجوع وجهه المدير العام إلى قداسة البابا يوحنا بوليس الثانى أمام كنيسة القديس بولس بمناسبة اليوبيل الزراعى الذى حضره أكثر من 000 100 مزارع من بلدان كثيرة. أما فى المجال السياسى فقد اضطلع الاتحاد البرلمانى الدولى بدور قيادى لتعبئة المساندة الوطنية والدولية للتدابير الرامية إلى تنفيذ التزامات مؤتمر القمة العالمى للأغذية، وعقد فى 1998 مؤتمر للاتحاد البرلمانى الدولى عن تحقيق أهداف مؤتمر القمة العالمى للأغذية من خلال استراتيجية إنمائية مستدامة، وقد شارك كثيرون فى هذا الحدث. وأصدر المؤتمر وثيقة ختامية، طالب فيها الاتحاد برلمانات العالم بمساندة تنفيذ خطة عمل مؤتمر القمة العالمى للأغذية على الصعيدين الوطنى والدولى. كما أتاحت مشاركة المدير العام فى المنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس فرصا لإقناع قادة القطاع الخاص وخاصة مدراء شركات الصناعات الزراعية الكبرى بأن يكونوا شركاء فاعلين فى المساعى المبذولة من أجل عالم متحرر من الجوع - وهو هدف يتوخاه أيضا أعضاء هيئة للشركات الإيطالية تسمى "جماعات أصدقاء منظمة الأغذية والزراعة".

    ما هو الحق فى الغذاء؟
    الحق فى الغذاء هو حق معترف به فى الصكوك الدولية الملزمة من الوجهة القانونية بما فى ذلك، وعلى نحو أشمل، العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حيث اعترف بهذا الحق باعتباره جزءا من مستوى معيشى ملائم يشمل المسكن والملبس أيضا، وباعتباره كذلك حقا أساسيا قائما بذاته فى التحرر من الجوع.
    والحق فى الغذاء يعنى الحق فى الوسائل الكفيلة بإنتاج أو اشتراء أغذية كافية من حيث الكم والنوع، خالية من المواد الضارة، ومقبولة من الوجهة الثقافية. ويجوز إعمال هذا الحق بجهود فردية أو بالاشتراك مع آخرين، ولابد من أن يتمتع به الكافة بدون أى تمييز مجحف على أساس العرق أو الدين أو اللغة أو الرأى السياسى أو أى وضع آخر.
    وطبقا للعهد الدولى، يتعين على الدول الأطراف اتخاذ جميع الخطوات الملائمة، وفى نطاق الحد الأقصى للموارد المتاحة، من أجل التطبيق التدريجى للحق فى الغذاء للجميع . وهناك تمييز بين التزامات السلوك والتزامات النتائج، والانتهاكات يمكن أن تنشأ عن الفعل أو السهو. وثمة تمييز آخر بين عدم استعداد الدول لاتخاذ التدابير المطلوبة وعدم قدرتها على القيام بذلك.
    وينص القانون الدولى على أن الدولة مسؤولة عن التمتع بحقوق الإنسان داخل إقليمها. ومع ذلك يجوز للدولة أن تفوض المسؤوليات لمستويات حكومية مختلفة، وينبغى لها من خلال استراتيجيتها الوطنية أو التشريعات، أن تحدد مسؤولية العمل على نحو دقيق تماما قدر الاستطاعة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتناول مشكلات متعددة القطاعات ومتعددة الأبعاد مثل مشكلة انعدام الأمن الغذائى.
    ويمكن أيضا أن ينظر إلى مستويات التزامات الدولة على أنها مختلفة ومتنوعة إذ أنها تتعلق باحترام وحماية وتطبيق الحق فى الغذاء. وبينما ينبغى التشديد على أهمية تهيئة بيئة ملائمة تتيح لكل فرد أن يتمتع بالحق فى الغذاء بفضل جهوده، إلا أنه يتعين على الدولة أيضا أن تتكفل بغير القادرين على تلبية احتياجاتهم الغذائية بحيث لا يعانى أحد من الجوع كحد أدنى.

    31 - ومع ذلك يعتبر التصميم السياسى مسألة حساسة بالنسبة إلى الرأى العام. وقد اضطلع مؤتمر القمة العالمى للأغذية ذاته بدور رئيسى فى زيادة الوعى العام بضخامة مشكلة الجوع فى العالم وبضرورة العمل على مكافحة هذه الآفة. ومنذ عام 1996 حرصت المنظمة على تعزيز أنشطتها فى مجال زيادة الوعي فى سياق استراتيجية جديدة للاتصالات على مستوى المنظمة. ويتولى "النظام العالمى للإعلام والإنذار المبكر" تقديم معلومات آنية عن أزمات الأغذية فى تقاريره وإنذاراته الخاصة، ونشرت حتى الآن طبعتان من "حالة انعدام الأمن الغذائى فى العالم" وقد حظيتا بتغطية واسعة النطاق من وسائل الإعلام العالمية. وكثير من مواد المنظمة المسجلة فى موقعها المتعدد اللغات على شبكة الإنترنت (الذى سجل 12 مليون طرقة شهريا فى عام 2000) يسهم فى زيادة الوعى بمشكلات الأغذية والأنشطة التى يضطلع بها لمواجهتها. واحتفل باليوم العالمى للأغذية فى 150 بلدا كل عام، وأضافت حملة الغذاء المتلفزة بعدا آخر للجهود الرامية إلى زيادة الوعى وتعزيز التضامن، وشاركت فيها 80 شبكة تليفزيونية وشاهدها ما يقرب من 500 مليون شخص. وعلاوة على ذلك شارك المدير العام وكبار المديرين فى عدد كبير من اللقاءات الصحفية والإذاعية والتليفزيونية حول موضوعات تتعلق بمؤتمر القمة العالمى للأغذية، ونشرت عن الموضوع ذاته مقالات عديدة فى المطبوعات الشعبية والمتخصصة.

    32 - وانطلاقا من الاعتراف المٌضمر فى دعوة رؤساء الدول إلى القمة وإلى مؤتمر المنظمة القادم بأن القضاء على الجوع يعتمد على جهود متضافرة ومتكاملة فى قطاعات عدة، فقد حرصت المنظمة على تعميق تعاونها مع الوكالات الدولية وغيرها من الهيئات الحكومية الدولية التى تعتبر مشاركتها أمرا ضروريا لتحقيق النجاح. وتعقد اجتماعات منتظمة على المستويات الإدارية والفنية العليا بين وكالات الأمم المتحدة الثلاث المعنية بالأغذية والتى تتخذ من روما مقرا لها، ويتضح مدى هذا العمل المشترك الواسع النطاق فى مطبوع ينشر مرتين سنويا(10). وقد أبرز هذا العمل أيضا فى بيان عام مشترك قدم إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي فى 2000. وتتيح لجنة التنسيق الإدارية التابعة للأمم المتحدة محفلا قيما للتعاون بين الوكالات تجلت قدرته على تجميع القوى بصورة فعالة لمعالجة قضايا الأمن الغذائى فى العمل المتضافر الممتاز الذى أنجزته مجموعة العمل بشأن الأمن الغذائى الطويل الأجل والقضايا ذات الصلة فى القرن الأفريقى(11)، وهى المجموعة التى تولت المنظمة قيادتها.

    33 - ومن المعروف أن المنظمة ترتبط منذ وقت طويل باتفاقات تعاون وبرامج للعمل المشترك مع مؤسسات التمويل الدولية الكبرى، إلا أنها اتخذت خطوات جديدة لتعميق هذا التعاون ولتركيزه بصورة متزايدة على متطلبات الأمن الغذائى. وقد تواترت الاتصالات بين المدير العام ورؤساء مؤسسات التمويل الدولية ومعظم المصارف دون الإقليمية، بُغية التشجيع على زيادة الإقراض من جديد للقطاع الريفي، وهو موضوع طرح أيضا فى خطابات وُجهت إلى مجالس الإدارة فى عدة مصارف. وقد تجلت الالتزامات فى مذكرة تفاهم جديدة وقعت مع البنك الدولى ومصرف التنمية الأفريقى وبنك التنمية الإسلامى وبنك التنمية لغرب أفريقيا، والتى وافقت هذه المصارف فيها على تمويل أنشطة منبثقة عن البرنامج الخاص للأمن الغذائى بناء على طلب البلدان(12).

    34 - وتم أيضا تكثيف الاتصالات على أعلى المستويات مع حكومات البلدان المتقدمة بما فى ذلك الجماعة الأوروبية ولجنة المساعدة الإنمائية ومنظمة التعاون والتنمية فى الميدان الاقتصادى.

    باء - أوجه التقدم

    35 - إن أى تقييم لمدى ما تحقق من تنام فى الالتزام السياسى فى مواجهة الجوع لابد وأن يكون ذاتى الطابع ريثما تظهر أدلة مؤكدة على حدوث تقدم حثيث نحو استئصال الجوع وخاصة فى بلدان العجز الغذائى ذات الدخل المنخفض. وقد سجل حوالى 53 بلدا ناميا انخفاضا فى نسبة السكان الذين يندرجون فى فئة من يعانون من نقص التغذية فى الفترة من 1990/1992 إلى 1996/1998، وتمكن 39 بلدا من تخفيض العدد المطلق لمن يعانون من نقص التغذية. ومع ذلك فإن هذه البلدان لم تزعم فى تقاريرها إلى لجنة الأمن الغذائى العالمى أن هذه التخفيضات ترجع إلى تدابير اتخذت استجابة لالتزامات مؤتمر القمة العالمى للأغذية، وهو انطباع أكدته جمعية التنمية الدولية الواسعة النفوذ، بعد أن تبينت من خلال 32 حلقة عمل (عقدت فى 26 بلدا فى عامى 1999و 2000) أن حكومات قليلة جدا هى التى استحدثت فعلا عملية متابعة لمؤتمر القمة العالمى للتغذية تشارك فيها منظمات المجتمع المدنى. كما لا توجد أدلة، حسبما جاء فى وثيقة الموارد، على حدوث ارتفاع فى مخصصات الموارد الدولية أو المحلية للتنمية الزراعية التى من المحتمل أن تكون جزءا من أى برامج للحد من انعدام الأمن الغذائى. وبدلا من ذلك انخفضت على نحو مطرد المساعدة الإنمائية الرسمية للزراعة، ولوحظ فى الوقت نفسه أن بعض البلدان الأكثر تضررا من انعدام الأمن الغذائى والتى لم تفلح فى تعبئة الموارد للحد من الجوع، تمكنت مع ذلك من زيادة مصروفاتها العسكرية.

    36 - وإن من البوادر المشجعة ظهور توافق عريض فى الآراء على صعيد المجتمع الدولى بشأن ضرورة أن تركز المساعدة الإنمائية على تخفيف وطأة الفقر حتى يتسنى تحقيق الهدف الإنمائى الدولى المتمثل فى تخفيض الفقر إلى نصف مستواه الحالى بحلول عام 2015. ويبدو أن هناك توافقا فى الآراء أيضا بشأن الحاجة إلى رفع مخصصات المساعدة الإنمائية الرسمية إلى الهدف المنشود وهو 0.7 فى المائة من الناتج الوطنى الإجمالى وتركيز هذه المساعدة على البلدان الفقيرة (13). كما أحرز تقدم فى تخفيض المديونية بمقتضى مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، وفى ربط ذلك باستثمارات تستهدف بعض الجوانب المتعلقة بتخفيف حدة الفقر.

    37 - وثمة مفارقة مع ذلك فى أن هذا الالتزام المطلوب بتخفيف حدة الفقر وما يقترن به من اعتراف بأن أسباب الفقر عديدة ومتشعبة،قد يؤدى إلى تشتيت للجهد ويترتب عليه انحسار التركيز على جوانب الفقر الأكثر وضوحا والتى تنطوى على تهديد لحياة البشر، وخاصة الجوع. والواقع أن التقاعس عن التصدى لمشكلات نقص التغذية بطريقة حاسمة سيعرقل على الأرجح بلوغ هدف التخفيف من حدة الفقر لاسيما وأن الجوع هو نتاج الفقر بقدر ما هو السبب فيه. وإن النهوج الكلية للتنمية الواردة فى إطار التنمية الشاملة وإطار الأمم المتحدة للمساعدة الإنمائية، لابد من تفسيرها وتنفيذها بوضع أولويات قطاعية محددة لمواجهة مختلف جوانب الفقر، وتحويل هذه الأولويات إلى مقترحات للعمل وحشد الموارد لإنجاز هذه الأهداف. ولا ينبغي أن يصبح الحوار بشأن الصعوبات التي ينطوي عليها قياس الجوع - ومن يعانونه هم أدرى به - باعثا على الإدعاء بأن خفضه ليس أولوية عالمية.

    38 - وهذا القصور فى تناول انعدام الأمن الغذائى باعتباره قضية محددة قد بدا واضحا جليا على الصعيد الدولى منذ مؤتمر القمة العالمى للأغذية. وهكذا لم يذكر انعدام الأمن الغذائى كقضية تتطلب اتخاذ تدابير محددة إلا نادرا فى اجتماعات القمة الهامة مثل قمة مجموعة السبعة/الثمانية وقمة مجموعة السبعة والسبعين وغيرها من الاجتماعات الدولية الكبرى بما فى ذلك اجتماعات مجموعة الخمسة عشر واجتماعات حركة عدم الانحياز. وكان الاستثناء الوحيد الملحوظ فى هذا السياق هو قمة مجموعة السبعة فى 1997 التى أكدت على ضرورة زيادة المساعدة الإنمائية الرسمية لأفريقيا مع التركيز خاصة على المساعدة من أجل التنمية الريفية والأمن الغذائى وحماية البيئة. ولوحظ مع ذلك أن الاجتماعات اللاحقة لم تشر إلى أى خطوات اتخذت فى هذا السبيل ولم يرد ذكر مشكلات الجوع قط. وفى اجتماع مجموعة الثمانية فى كولونيا عام 1999 التى تم فيه التوصل إلى اتفاق بتوسيع نطاق مبادرة البلدان المثقلة بالديون وربطها بالتدابير التى تتخذها البلدان المستفيدة للتخفيف من حدة الفقر، تقابلها دعوة لإدخال تحسينات فى مجال الصحة والتعليم، ولم تكن هناك إشارة إلى ربط إلغاء الديون بالأمن الغذائى أو حتى بتدابير تستهدف زيادة فرص كسب الدخول. وفى أوكيناوا عام 2000 كرر البلاغ الصادر عن مجموعة الثمانية التأييد لإلغاء الديون من أجل تخفيف حدة الفقر، مؤكدا من جديد على أن "الصحة هى مفتاح الازدهار" وأن "كل طفل يستحق تعليما جيدا". ودعا البيان أيضا إلى إجراء حوار عن قضايا سلامة الأغذية وليس الأمن الغذائى. ولم تهتم مجموعة السبعة والسبعين كثيرا بقضايا الجوع باستثناء الدعوة لتنفيذ إعلان مراكش لصالح البلدان التى يشكل تحرير التجارة تهديدا لأمنها الغذائى.

    39 - ويتبدى ذلك التغافل عن تخفيض الجوع باعتباره عنصرا رئيسيا في تخفيض الفقر في الأهداف الإنمائية الدولية التي وضعها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تستبعد الرقم المستهدف لخفض الجوع الذي وضعه مؤتمر القمة العالمي للأغذية باعتباره هدفا محددا وقابلا للرصد من أهداف التنمية على الرغم من الاحتجاجات القوية التي قدمتها المنظمة باسم الحكومات التي أقرت إعلان روما(14). ونشأ وضع مماثل أيضا في إطار الإرشادات الأولية التي قدمها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أثناء إعداد أوراق الاستراتيجية الخاصة بتخفيف وطأة الفقر، إلا أنه تم توسيع نطاق هذه الإرشادات لاحقا لكي لا تقتصر على الصحة والتعليم وإمدادات المياه بل لتشمل أيضا الاهتمام بالقضايا المتعلقة بالفقر الريفي وتوليد الدخل. بيد أن أوراق الاستراتيجية الخاصة بتخفيف وطأة الفقر، عكست ذات الموقف الذي اتخذ في الأهداف الإنمائية الدولية، ولم تخص بالذكر وبصورة رسمية بعد، الجوع كهدف في حد ذاته. ومع ذلك، وبالنظر إلى أن الفقر يصل إلى مداه في المناطق الريفية في البلدان الأشد فقرا، من المحتم أن يكون للتدابير الرامية إلى حفز نمو زراعة المساحات الصغيرة وتحسين الأمن الغذائي للمجتمعات المحلية مكانها وأهميتها الملائمة في أوراق الاستراتيجية الخاصة بتخفيف وطأة الفقر، بحيث تستجيب لعملية تحضيرية تقوم على المشاركة الكاملة. ويتسق ذلك مع "رؤية" البنك الدولي الجديدة للتنمية الريفية التي تركز على معالجة انعدام الأمن الغذائي باعتباره هدفا محددا لمهمته، في سبيل تخفيف وطأة الفقر الريفي.

    40 - ويعتبر الإعلان الصادر فى نوفمبر/تشرين الثانى 2000 عن مجلس الاتحاد الأوروبى واللجنة الأوروبية بشأن السياسة الإنمائية للجماعة الأوروبية أكثر تحديدا فيما يتعلق بالاعتراف بالأمن الغذائى عنصرا رئيسيا ضمن مجموعة واسعة من الأنشطة المساندة للقضاء على الفقر، وإن كان يتعين تناوله أيضا من عدة زوايا.واعترف صراحة أيضا بالحاجة الى مكافحة الجوع باعتباره قضية قائمة بذاتها (وإن كان ذلك لم يحدث إلا فى مرحلة متأخرة جدا من الصياغة) فى إعلان قمة الألفية للأمم المتحدة الصادر فى سبتمبر/أيلول 2000، والذى حدد هدفه الرئيسى على النحو التالى "خفض نسبة سكان العالم الذين يقل دخلهم عن دولار فى اليوم الواحد ونسبة الذين يعانون الجوع إلى النصف بحلول 2015، وخفض نسبة غير القادرين على الوصول إلى ماء الشرب المأمون أو شرائه إلى النصف أيضا فى التاريخ ذاته"(15) ومن المأمول أن يترجم روح التعاون القوى الذى تجلى فى قمة الألفية إلى أعمال هادفة تتسم بالعزم والتصميم.

    41 - وهناك أيضا ما يشجع على التفاؤل الحذر فى بروز حركات المجتمع المجنى عبر الوطنية كنصير قوى لعالم اكثر عدلا وإنصافا، وما تقدمه من دليل على وجود مساندة شعبية عريضة لمواجهة الجوع فى البلدان النامية على عكس ما توحى به بعض التصورات(16). وتشارك منظمات غير حكومية كثيرة بقوة ونشاط فى مواجهة الطوارئ الغذائية وفى تقديم خدمات المساندة إلى جماعات صغار المزارعين، مع التركيز فى كثير من الأحيان على ممارسات الانتفاع المستدام بالأراضى.واضطلعت منظمات أخرى بدور رئيسى فى العملية التشاورية التالية لمؤتمر القمة العالمى للأغذية والتى قادها المفوض السامى لحقوق الإنسان بشأن الحق فى الغذاء. ومن المرجح أن تشكل هذه المنظمات تآلفات تستفيد من تحسين إمكانيات الربط الشبكى، ولكى تصبح قوى فعالة ومؤثرة فى تأمين مزيد من الالتزام الدولى والوطنى فى مواجهة قضايا الأغذية.

    42 - وأخيرا يبدو أن هناك اعترافا دوليا متزايدا بما يشكله الجوع والحرمان الشديد من تهديد للسلام والأمن، فالصراعات المحلية بشان الموارد النادرة يمكن أن تنتشر وتتحول بسرعة إلى صراعات إقليمية تؤدى إلى زعزعة الاستقرار على نطاق واسع وتحول دون إمعان النظر فى قضايا الأمن الغذائى الطويل الأجل فى البلدان المنكوبة. وإنه لمن صالح البلدان جميعا أن تتحاشى مثل هذه الأوضاع. وقد أولى مجلس الأمن من منطلق مسؤوليته عن حفظ السلام والأمن الدوليين بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة، اهتماما متزايدا لقضايا الأغذية لاسيما الأمثلة المتكررة على استخدام الغذاء كسلاح سياسى، وللعمل من أجل ضمان الأمن الغذائى فى حالات الطوارئ المعقدة الناجمة عن أسباب بشرية أو طبيعية. وبالنظر إلى اتساع نطاق نقص الأغذية المزمن وخاصة فى البلدان المعرضة للصراعات، فإنه ينبغى لمجلس الأمن أن يتناول هذه القضية كموضوع محورى هام فى مساعيه من أجل عالم أكثر سلاما.

    43 - وهناك دلائل تشير على الصعيد الوطنى إلى أن بلدان نامية قليلة أخذت تعترف بالدور الحاسم الذى يتعين على القطاع الريفى الاضطلاع به فى عملية التنمية الاقتصادية المرتكزة إلى قاعدة عريضة. وتلتزم هذه البلدان بتشجيع النمو الزراعى مركزة بصفة خاصة على ما تعتبره فرصا جديدة فى الأسواق المحلية والدولية. إلا أن هذه البلدان لا تزال تشكل استثناء إذ أن أغلبية البلدان النامية تميل إلى انتهاج سياسات تولى أهمية أكبر للمناطق الحضرية، كما يلاحظ أن الأدلة قليلة على وجود تصميم قوى لديها على استئصال شأفة الجوع وسوء التغذية، وعلى تشجيع التنمية الريفية.

    خامسا - نحو تحويل الالتزامات إلى عمل ملموس

    44 - سيتيح اجتماع "مؤتمر القمة العالمى للأغذية: خمس سنوات بعد الانعقاد" الفرصة للحكومات والمجتمع الدولى وهيئات المجتمع المدنى لكى تؤكد مجددا التزامها بإعلان روما وخطة العمل، ولكن المطلوب هو تجاوز هذه الالتزامات العريضة، ووضع تدابير للعمل محددة بإطار زمني من أجل تعزيز الأنشطة الرامية إلى استئصال الجوع، والتركيز على جوانب خطة العمل ذات الصلة الحميمة والمباشرة بقضية الجوع حتى يتسنى تحقيق هدف مؤتمر القمة العالمى فى موعد لا يتجاوز 2015. وهكذا يمكن ترجمة الالتزام السياسى إلى عمل ملموس. وسيكون الالتزام أكثر قوة ومضاء إذا ارتكز على رؤية توافقية بشأن السبل التى يتعين انتهاجها لاستئصال الجوع.

    45 - والأنشطة المطلوب من كل طرف من الأطراف الكبرى فى الاجتماع تنفيذها متجذرة بعمق فى إعلان روما إلا أنها يمكن أن تستفيد أيضا من المعارف والأفكار والعلاقات المؤسساتية التى تطورت منذ 1996. ويعتبر الفهم المتزايد لطبيعة انعدام الأمن الغذائى وأسبابه الدفينة مسألة ذات صلة وثيقة ومتنامية بتصميم استراتيجيات فعالة(17).ويتضح الآن بصورة متزايدة أن الجوع المزمن سبب من أسباب الفقر بقدر ما هو نتيجة من نتائجه، وهذا من شأنه أن يقوى الإدراك البدهى بأن التدابير المتخذة للحد من الجوع هى تمهيد حيوى للبرامج الرامية إلى تخفيف وطأة الفقر، ذلك انه مادام الناس، كبارا وصغارا، يعانون الجوع، فإن ذلك سيثبط حتما من استجابتهم لفرص التنمية. وقد بدأت الأدلة تتزايد على أن وجود الفقر يعوق فى معظم الاقتصادات إمكانات النمو الاقتصادى الوطنى(18).

    46 - ولابد من الانتفاع أيضا بأوجه التقدم الهام فى اللامركزية المؤسساتية فى بلدان كثيرة فى السنوات الخمس الماضية ودعمها بموارد كافية. وهذه التطورات تتيح فرصا جديدة لتعاون أكثر فعالية على المستوى المحلى بين المؤسسات العامة التى ينبغى أن تستجيب لمقتضيات الأمن الغذائى بأبعاده المتعددة، كما أنها تيسر إلى حد بعيد عمليات صنع القرار القائمة على المشاركة والتشخيص الدقيق والتى يُعترف بأهميتها المتزايدة فى دعم الاعتماد على النفس محليا فى مواجهة القضايا الهامة بما فيها الجوع ووضع أسس أكثر استدامة لسبل كسب العيش. ولابد أيضا من تضمين الخطط الدور الصاعد لمنظمات المجتمع المدنى فى الاستجابة للمطالب المحلية للحصول على المعرفة والخدمات.

    47 - وقد تحقق تقدم هام فى التفكير فى قضايا حقوق الإنسان بوجه عام، ولا سيما فى الكيفية التى يمكن أن تسهم بها المفاهيم الكامنة وراء الحق فى الغذاء، فى تصميم برامج فعّالة لاستئصال الجوع. وهذه المفاهيم تؤكد على الدور الأولى للفرد والأسرة والمجتمع فى تلبية الاحتياجات الغذائية، بينما يناط بالحكومة دور "الإنجاز" الذى ينبغى تفعيله فقط عندما لا تستطيع القدرات المحلية تأمين الحصول على أغذية كافية وسليمة(19). ويقع على عاتق الحكومة، بالطبع، دور هام في تهيئة الظروف لنجاح الجهود المحلية، بإرساء السلام، مثلا، والظروف التي تيسر المشاركة الفعالة في العمليات السياسية.

    48 - أما على مستوى المؤسسات الدولية فقد لوحظ أن الخطوات التى اتخذت لتحسين التعاون بين الوكالات على الصعيد الوطنى من خلال التقييم القطرى المشترك،وإطار الأمم المتحدة للمساعدة الإنمائية،وإنشاء لجنة التنسيق الإدارية الشبكة بشأن التنمية الريفية والأمن الغذائى، قد أتاحت فرصا وأفاقا جديدة للاضطلاع بأنشطة متكافلة ومشتركة بين الوكالات من أجل استئصال الجوع.

    49 - ومع ذلك وعلى الرغم من أوجه التقدم هذه فى التفكير وفى العلاقات المؤسساتية، فإن دولا قليلة هى التى تصدت للجوع بصورة مباشرة، وهو العمل المطلوب والذى يبدو ممكنا لتحقيق أهداف مؤتمر القمة العالمى للأغذية. والواقع أنه لا توجد أدلة كثيرة، باستثناء المشاورات التى جرت بشأن الحق فى الغذاء، على وجود كثير من التفكير الموجه نحو المتضمنات العملية، سواء بالنسبة إلى المجتمع المحلى أو الأمة، للالتزام باستئصال الفقر، فيما عدا الخطوة الهامة المتمثلة فى رفع إنتاج المزارع الصغيرة (أنظر الإطار). وربما تكون غيبة رؤية واضحة لكيفية مواجهة الجوع بأبعاده الكثيرة ومن خلال تشكيلة متنوعة وفعالة من التدابير العملية البسيطة والناجعة من حيث التكلفة والقادرة على تحقيق نتائج وإصلاحات فى السياسات، هى السبب الرئيسى فى عدم إحراز تقدم، مما يؤدى إلى إضعاف التصميم على الوفاء بالالتزامات.

    زيادة الإنتاجية الزراعية كوسيلة لتخفيف وطأة الفقر

    إن معظم الفقر فى البلدان النامية يتركز بشدة فى المناطق الريفية، وكثيرا ما يكون فقر المناطق الحضرية نتيجة للهجرة من الحرمان الريفى. وعادة ما تكون أسر صغار المزارعين من أفقر سكان الريف وأكثرهم معاناة من سوء التغذية. ويلاحظ فى بلدان العجز الغذائى ذات الدخل المنخفض أن النجاح فى زيادة إنتاجية صغار المزارعين يؤدى فى آن معا إلى تخفيف وطأة الفقر الريفى وتحسين الأمن الغذائى والتغذية على المستوى الأسرى، وزيادة توافر الأغذية فى الأسواق المحلية والوطنية، وخفض تكلفة الواردات.ويستدل من الخبرة المكتسبة على أن كثيرا ما تؤدى الاستثمارات المتواضعة نسبيا المقترنة بتغييرات تكنولوجية بسيطة إلى تحقيق مكاسب كبيرة فى إنتاجية الأرض والأيدى العاملة حيث توجد أسواق كافية لاستيعاب الإنتاج الزائد. ويمكن أن يمول جزء من هذا الاستثمار عن طريق موارد المزارعين أنفسهم وخاصة عن طريق تحويل الأيدى العاملة إلى أصول منتجة مثل المشروعات الصغيرة للرى والصرف، أو مزارع المحاصيل الشجرية أو تحسين الأراضى من خلال التسوية والتسطيب.
    وإن توافر أسواق جاهزة ينطوى على أهمية فائقة لنجاح البرامج التى تستهدف زيادة الإنتاج الزراعى، إلا أن من بين الإشكاليات التى تواجه البلدان النامية هى الانخفاض الطويل الأجل فى الأسعار الدولية للحبوب (الناتج عن التغيير التكنولوجى السريع، والدعم المالى فى البلدان المتقدمة) بينما يسمح بالواردات الرخيصة وما يترتب عليها من انخفاض فى أسعار الأغذية، مما يؤدى إلى الحد من الحوافز التى تشجع صغار المزارعين على إنتاج الأغذية،والى تآكل مصدر دخلهم الرئيسى.

    50 - وإن من اليسير نسبيا تحديد الجوع وقياسه واستهدافه على عكس كثير من مظاهر الفقر. وحل مشكلة الجوع عن طريق تأمين الحصول المنتظم على أغذية كافية ومغذية ومأمونة، يبدو أيضا مسألة بسيطة. وعلى عكس المشكلات الصحية، فإن استئصال الجوع لا يتطلب سنوات عديدة من البحث العلمى المكلف. وهذا يعنى وجود إمكانية حقيقية لعلاج الجوع، كما يحدث فى حالة الطوارئ وما تقوم به بعض البلدان التى توجد لديها برامج فعالة للرفاه وذلك بتمكين غير القادرين على تلبية كثير من احتياجاتهم الغذائية عن طريق الإنتاج الزراعى الموسع أو العمل المربح، من الحصول على الأغذية الملائمة أو النقود التى يشترون بها هذه الأغذية.

    51 - وإن من بين الجوانب الأكثر إثارة للدهشة فى البحث عن حلول للجوع أن معظم هؤلاء الذين ينبغى أن يعنوا باستئصاله، وربما باستثناء من يعانون الجوع فعلا، يميلون إلى البحث عن أساس منطقى لرفض التدابير المباشرة لمواجهة مشكلات نقص التغذية المزمن ويفضلون عليها ما يرونه حلولا أكثر استدامة. وانه لمن قبيل المفارقة أن وراء هذا النفور من الحلول المباشرة لمشكلة يعتبرها كثيرون قضية معنوية ملحة، تكمن شواغل أخلاقية أساسية تتعلق بالكرامة الإنسانية والتبعية. إلا أنه لا توجد حالة إنسانية يمكن أن تكون أكثر مساسا بالكرامة الإنسانية أو أشد مدعاة للاعتماد على الآخرين من استمرار الحرمان من الغذاء الذى يعتبر مع الماء أهم عنصر لتمكين الفرد من أن يحيا حياة صحية متكاملة. وقد اعترفت بذلك معظم البلدان المتقدمة التى توجد لديها نظم للضمان الاجتماعى لتأمين التغذية الكافية للجميع. وعلى الرغم من أن الحاجة إلى نظم مماثلة فى البلدان النامية حيث توجد نسبة اعلى من السكان المعرضين للجوع وأخطار اشد، تبدو مسألة بدهية، إلا أن عددا قليلا من البلدان فقط هو الذى حظى بتشجيع من ممارسى التنمية على النظر فى إقامة مثل هذه النظم.

    52 - وإن كثيرا من الاقتصاديين لا يحبذون أيضا فى كثير من الأحيان الحلول المباشرة بدعوى أنها تؤدى إلى تشويه الأسواق وإزالة الحوافز فضلا عن كونها باهظة التكلفة وتعرقل النمو وتساعد على الفساد. والواقع أن أى خطوات تتخذ لترجمة الحاجة للغذاء إلى طلب فعّال متزايد لابد وأن تؤدى إلى حفز الأسواق. والحفز على مزيد من العمل الشاق أو إنتاج مزيد من الغذاء يعتبر مسألة لا معنى لها فى نظر هؤلاء الذين لا تتوافر لديهم القوة أو الوسيلة للقيام بذلك. وإن تدابير إعادة التوزيع، عندما تتخذ بطريقة صحيحة ومحكمة تعتبر أقل تكلفة من الاستثمارات المطلوبة للتوصل إلى حلول تبدو أكثر استدامة (والتى قد تكون متعادلة من الوجهة المالية كما فى حالة بعض أشكال الضرائب وإصلاح الأراضى).والواقع أن ما يعرقل النمو الاقتصادى هو عدم مشاركة من يعانون الجوع؛ ولا توجد أدلة على أن الموارد المخصصة لبرامج إعادة التوزيع لبرامج الاستثمار هى التى تساعد على تفشى الفساد على نطاق أوسع.

    53 - وهذا يعنى أن التحيز الواسع الانتشار ضد تدابير إعادة التوزيع لابد أن ينحى جانبا فى السعى لحلول عملية وسريعة لمشكلة الجوع. وينبغى اعتبار مثل هذا الحلول جزءا من مجموعة متوازنة من المبادرات للتصدى لمختلف مظاهر الجوع وسوء التغذية والتى تحدد من خلال العمل التشخيصى السديد بوسائل ناجعة من حيث التكلفة وممكنة من الوجهة المؤسسية. وكما أظهرته تجربة ولاية ماهاراسترا في الهند، وبعض مناطق إثيوبيا، من الممكن زيادة الآثار المضاعفة لهذه البرامج المتوازنة وذلك باستخدامها لاستحداث أصول منتجة وتزويدها بإمدادات من المشتريات المحلية تساعد على توسيع نطاق أسواق الأغذية، مما يساعد على تشجيع زيادة الإنتاج الزراعى. وهكذا يمكن أن يكون النجاح الملموس فى العمل على استئصال الجوع وتحسين التغذية وما يترتب على ذلك من مزايا اجتماعية واقتصادية محسوسة، نقطة تحول فى توليد الإرادة الضرورية لإنجاز المهمة فى أقصر وقت ممكن.

    54 - وهناك دروس كثيرة يمكن الانتفاع بها من خبرة البلدان والمناطق والمجتمعات التى أحرزت تقدما سريعا فى الحد من نقص التغذية وأقامت توازنا سليما بين التدابير المختلفة.(انظر الإطار).وينبغى استكشاف الخيارات المختلفة المتاحة لتشاطر هذه الخبرات مع بلدان أخرى من خلال ترتيبات التعاون الموسع فيما بين بلدان الجنوب.

    كيف تغلبت تايلند على سوء التغذية

    أدركت تايلند منذ ثلاثة عقود مضت أن سوء التغذية هو مشكلة وطنية تتركز فى المناطق الريفية، وقررت مواجهة سوء التغذية من خلال برنامج للتنمية الريفية تتولاه المجتمعات المحلية. واعتبر تحسين الحالة التغذوية للأمة بمثابة استثمار منتج وليس إنفاقا، وقد اتضح ذلك فى سياسة وطنية دعت إلى اتخاذ تدابير عاجلة تتركز على تحسين التغذية كعنصر حاسم فى التخفيف من وطأة الفقر. ووضعت سياسة وخطة للتنمية الريفية على الصعيد الوطنى بمشاركة من مسؤولين عن التخطيط وموظفين من قطاعات كثيرة وأكاديميين وممثلين عن المجتمعات المحلية. وأصبح تحسين التغذية عنصرا مركزيا فى عقد اجتماعى واقتصادى أوسع نطاقا بين الحكومة والشعب، يرتبط فيه تحسين التغذية ارتباطا وثيقا بالتخفيف من وطأة الفقر. وتقرر مواجهة الفقر بمختلف أبعاده وليس من منظور الدخل فحسب. وترتب على ذلك اتخاذ تدابير متكاملة متعددة القطاعات لتحسين الحالة التغذوية للمجتمع وربط ذلك بفرص توليد الدخل. واشتمل هذا البرنامج أيضا على توفير فرص عمل فى الريف ومشروعات لتنمية القرى وتغطية كاملة للخدمات الأساسية للمجتمعات المحلية وزيادة الإنتاج الغذائى (مع التأكيد على تحسين نوعية الأغذية). وشملت هذه الأنشطة فى بداية الأمر الثلث الأشد فقرا فى تايلاند، ولكن سرعان ما اتسع نطاقها لتغطى الأمة كلها.
    ومن بين الأسباب التى ساعدت تايلاند على النجاح فى استئصال سوء التغذية الذى يتراوح بين الاعتدال والشدة فى خلال عقد واحد (1982- 1991) هو استثمارها فى رأس المال البشرى. فقد أدركت أن التصدى لسوء التغذية لابد أن يقوم على أسس اجتماعية وأن المساعدة الذاتية تقع فى صميم العمل الجماعى ضد سوء التغذية. وأمكن تطوير وتعزيز شراكة بين المجتمع والحكومة من خلال استراتيجيات للتعبئة الاجتماعية تستند إلى قاعدة عريضة. وقام المتطوعون الذين اختارتهم المجتمعات المحلية بتحمل المسؤولية عن تيسير حصول المجتمع المحلى على الخدمات الأساسية وتعبئة هذا المجتمع للاضطلاع بأنشطة ذات صلة بالتغذية. وكان استخدام مجموعة من المؤشرات بشأن الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية عنصرا أساسيا فى إرشاد الناس للتعرف على مشكلاتهم التغذوية وتحديد أولوياتها واتخاذ التدابير الملائمة، مما ساعد على تعظيم إمكانيات الموارد المحلية.

    55 - وبالرجوع إلى هذه الخبرات الناجحة والتطورات الهامة التى حدثت منذ 1996، كما جاء أعلاه، يمكن أن تتضح معالم أساس جديد لمزيد من الجهد للقضاء على الجوع انطلاقا من إعلان روما وخطة العمل، وذلك على النحو التالى:

    56 -

    57 - وقد تجد أطراف اجتماع "مؤتمر القمة العالمى للأغذية:"خمس سنوات بعد الانعقاد" فى العناصر المذكورة أعلاه أساسا يساعدها على تصميم برامج وطنية قوية لإنجاز أهداف القمة ولإرساء دعائم المساءلة المؤسساتية واستحداث شراكات فعّالة تركز على الأهداف المشتركة. وربما تشكل العناصر المذكورة أعلاه أيضا أساسا لوضع مبادئ إرشادية طوعية من أجل إعمال الحق فى الغذاء الكافى بمقتضى مدونة السلوك بشان الحق الإنسانى فى الغذاء.

    58 - وإن بوسع حكومات البلدان المشاركة فى إعداد الاستراتيجيات الخاصة بتخفيف وطأة الفقر أن تستدمج الملاحظات والاعتبارات الواردة أعلاه فى تحديد العناصر المتعلقة باستئصال الجوع فى هذه الاستراتيجيات لكى تحقق على الأقل هدف مؤتمر القمة داخل أوطانها فى موعد لا يتجاوز 2015. وستختلف أنواع البرامج التى ستعتمدها ولكن من المحتمل أن يكون لها سمة مشتركة وهى مساندة مبادرات لا مركزية تقودها المجتمعات المحلية ترمى إلى ضمان الأمن الغذائى الشامل، وتتضمن تدابير استراتيجية متتابعة تستهدف تخفيف وطأة الجوع بصفة عاجلة وتوفر المكونات اللازمة لحلول مستدامة أطول أجلا. وسيتطلب تنفيذ البرامج لا مشاركة وزارات الزراعة فقط وإنما مشاركة مؤسسات أخرى أيضا من القطاع العام والمجتمع المدنى - تتمثل مهمتها فى الاستجابة للطلبات المتعددة التى تقدمها المجتمعات المحلية وجماعات المصالح المشتركة الملتزمة باستئصال الجوع.

    59 - إن تمكين المجتمعات النامية من تنفيذ برامج لاستئصال الجوع على النطاق المطلوب يعنى مشاركة كاملة من المجتمع الدولى. كما إن اعتماد المفاهيم الواردة أعلاه يعنى قبول الحاجة لاتخاذ تدابير هادفة لاستئصال الجوع بدلا من افتراض أن الجوع سيختفى كنتيجة فرعية لتدابير أوسع نطاقا للقضاء على الفقر. ومن ثم ينبغى إدراج أهداف استئصال الجوع بصورة محددة ضمن الأهداف الإنمائية الدولية التى تسترشد بها أنشطة المجتمع الدولى. وإن الموافقة على الملاحظات العامة الموجزة أعلاه تنطوى أيضا على ضرورة تعميق التعاون بين وكالات الأمم المتحدة (وخاصة بين الوكالات الثلاث المعنية بالأغذية والتى تتخذ من روما مقرا لها وكذلك الوكالات المعنية بالصحة، والتعليم، ورعاية الطفولة، والبيئة) ومؤسسات التمويل الدولية وغيرها من الهيئات الحكومية الدولية وذلك بالعمل سويا فى إطار مجالات ميزاتها النسبية من خلال تقديم المساعدة المالية والغذائية والفنية على نحو منسق وفعال. والتمويل الدولى لاستئصال الجوع ينبغى أن يكون على نطاق يتناسب مع حجم المشكلة، وأن يقدم بموجب شروط ميسرة لا تؤدى إلى تفاقم المديونية(20). ومن الأهمية بمكان أن تكون الالتزامات مأمونة على نحو كاف ولفترة طويلة لتمكين الحكومات من الإقدام بثقة على تنفيذ البرامج متعددة الأوجه المطلوبة لبلوغ أهداف مؤتمر القمة العالمية للأغذية.

    60 - وإن التركيز بصورة اكثر تحديدا على الجوع فى الإطار الأوسع لتخفيف وطأة الفقر ستكون له آثار أيضا فى النهوج التى ستأخذ بها المنظمة لتنفيذ خطتها المتوسطة الأجل. وينبغى فى الواقع تقييم كل نشاط لمعرفة مدى صلته بتخفيف حدة الجوع، وطرح أسئلة حول السبل الكفيلة بزيادة تأثيره فى الأمن الغذائى. وهذا يعنى على سبيل المثال أن يركز التفكير الاستراتيجى الطويل الأجل للمنظمة على تحديد الاحتياجات الغذائية وكيفية تلبيتها بطريقة فعّالة من حيث التكلفة، أكثر من تركيزه على التنبؤ بعوامل العرض والطلب فى مجال الأغذية كما تحددها الأسواق. وستركز المشورة السياساتية على العنصر المتعلق باستئصال الجوع فى أوراق الاستراتيجية الخاصة بتخفيف وطأة الفقر، وسيجرى تقييم المشروعات الاستثمارية ليست فقط من حيث فوائدها الاقتصادية ولكن أيضا من حيث تأثيرها على التخفيف من حدة الجوع. ويمكن أيضا توسيع نطاق الاستراتيجية سالفة الذكر لكى تصبح أداة تركز على الناس ويحركها الطلب، وبحيث تتمكن الجماعات والمجتمعات المحلية من خلالها وبمساندة مختلف الوزارات القطاعية والمجتمع المدنى والوكالات المعنية بمنظومة الأمم المتحدة العاملة فى إطار الشراكة، من التصدى للجوع بإبعاده المتعددة كخطوة أساسية أولى صوب التخفيف من وطأة الفقر. وهكذا تتمشى هذه الاستراتيجية مع الاعتراف المضمر فى إعلان روما وفى الدعوات الموجهة إلى رؤساء الدول بان القضاء على نقص التغذية يتطلب عملا تضطلع به قطاعات عديدة. وهذا يقتضى بدوره استحداث رؤية مشتركة لتناول مشكلة استئصال الجوع مع شركاء آخرين داخل الأمم المتحدة (وخاصة برنامج الأغذية العالمى والصندوق الدولى للتنمية الزراعية) ومع المجتمع المدنى.

    61 - وهناك فرصة أمام البلدان المتقدمة تساندها المؤسسات الدولية وخاصة المعنية بالتجارة،. لإظهار عزمها على الإسهام بقسط فى استئصال الجوع وذلك بفتح أسواقها للصادرات الزراعية من البلدان النامية، والحد من الإغراق، وتقاسم التكنولوجيا، وزيادة التمويل للسلع العامة الدولية ذات الصلة (البحوث، تنظيم المخزون السمكى المشترك، رصد تدهور الأراضى، وما إلى ذلك).

    62 - ومن المتوقع أن تلتزم منظمات المجتمع المدنى لا سيما المنظمات غير الحكومية الدولية والوطنية العاملة فى البلدان النامية، وجماعات المزارعين والنساء والشباب، بالتصدى لمشكلات الجوع بحيوية متجددة، وأن تضطلع بأدوار هامة فى تعبئة الموارد وتقديم الخدمات الفنية فضلا عن التأييد والمناصرة. وقد تضطلع أيضا بالمسؤولية عن رصد الأداء بناء على الالتزامات المؤكدة، وذلك باستخدام بطاقات لتسجيل النتائج كأساس لقياس الإنجازات.

    63 - وأمام القطاع الخاص فرص طيبة للإسهام فى تخفيف وطأة الجوع. ففى البلدان النامية يمكن للقطاع الخاص أن يعمل على توسيع النظم التجارية بحيث تشمل المناطق الريفية، والاستثمار فى الصناعات الصغيرة التى يمكن أن تتيح فرص العمل المأجور وتزود الناس بمهارات جديدة. وعلى المستوى الدولى يمكن للقطاع الخاص الإسهام فى فتح أسواق جديدة لمنتجات البلدان النامية ونقل الصناعة التكوينية من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية، واستحداث تكنولوجيا من شأنها تحسين معيشة الفقراء، وتشاطر هذه التكنولوجيا مجانا, وإذا أمكن توجيه تحويلات الموارد الخاصة المتوقع توليدها من آلية التنمية النظيفة نحو صغار المزارعين ذوى الموارد المحدودة لتمكينهم من استخدام نظم أكثر استدامة لاستغلال الأراضى، فإن ذلك سيعود أيضا بفوائد جمة على استهلاك الأغذية وعلى البيئة.

    64 - ويمكن أن نخلص إلى أنه على الرغم من عدم إحراز تقدم كبير فى السنوات الخمس الماضية، فإن احتمالات إنجاز الهدف لا تزال جيدة. ومع ذلك فإن هذا سيتطلب اعتماد استئصال الفقر كهدف محدد قائم بذاته على كل من الصعيدين الوطنى والدولى فى إطار استراتيجيات الحد من وطأة الفقر، مع الاعتراف بأنه طالما ظل الناس جوعى فلن يتسنى إحراز تقدم كبير فى تخفيف الفقر إلى نصف مستواه الحالى من خلال عمليات النمو الاقتصادى، والاعتراف أيضا بأن للبشرية كلها الحق فى الغذاء بمقتضى التشريعات الدولية لحقوق الإنسان.وإن بالإمكان تحقيق هدف مؤتمر القمة العالمى للأغذية من خلال إعداد برامج تلبى الاحتياجات وتستجيب للفرص على المستوى المحلى، وإقامة توازن بين التدابير الرامية إلى الحد من الحرمان بصورة عاجلة والاستثمارات التى تستهدف إدخال تحسينات مستدامة على سبل العيش ضمانا للأمن الغذائى الشامل على مستوى كل مجتمع محلى. ولابد أن تحتل مكان الصدارة فى هذا المسعى الأسر والمجتمعات المحلية والبلدان التى تعانى اشد المعاناة من انعدام الأمن الغذائى، ولكن لابد أن يقابل هذه الجهود التزامات مماثلة من المجتمع الدولى بتقديم الموارد من خلال القنوات الثنائية والمتعددة الأطراف ومنظمات المجتمع المدنى على أساس أنها منح لا ترد. وبوسع البلدان المتقدمة أيضا أن تسهم فى تحقيق هدف مؤتمر القمة عن طريق تخفيض الحواجز التجارية أمام الواردات الزراعية وتوفير حوافز لنقل المعرفة وللاستثمار الأجنبى المباشر الملائم، وخاصة فى المناطق الريفية من البلدان النامية. وإن من صالح شعوب البلدان النامية والبلدان المتقدمة على حد سواء العمل سويا من اجل استئصال الجوع بأسرع ما فى طاقة البشر.